أسود البطولة يخطفون لقباً إفريقياً غالياً من أنياب "الثيران" الملغاشية الصلبة
بقلم: القسم الرياضي
السبت، 8 أغسطس 2025على أعصاب مشدودة، وفي ليلة حبست فيها الأنفاس حتى الدقائق الأخيرة من عمرها، كتب المنتخب المغربي للاعبين المحليين اسمه بأحرف من ذهب في سجلات الكرة الإفريقية. لم يكن تتويجاً سهلاً أو انتصاراً عابراً، بل كان لقباً انتُزع من رحم المعاناة، وخُطف من أنياب منتخب ملغاشي عنيد وصلب، أثبت للعالم أن الحكايات الخيالية في كرة القدم لا تزال ممكنة.
فبعد 120 دقيقة من الصراع التكتيكي والبدني الشرس، حسم "أسود البطولة" النهائي الصعب بهدف قاتل في الشوط الإضافي الثاني، ليطلقوا العنان لفرحة عارمة طال انتظارها، وينهوا مغامرة "ثيران" مدغشقر المذهلة، الذين غادروا البطولة مرفوعي الرأس بعد أن كسبوا احترام القارة بأكملها.
بدأت المباراة على عكس كل التوقعات. فبينما كان الجميع ينتظر ضغطاً مغربياً كاسحاً منذ البداية، فاجأ المنتخب الملغاشي الجميع بنظام تكتيكي صارم وشجاعة نادرة. لم يتراجع "الثيران" إلى الدفاع كما كان متوقعاً، بل مارسوا ضغطاً عالياً على حامل الكرة المغربي، وأغلقوا كل ممرات اللعب، وحولوا وسط الميدان إلى ساحة معركة حقيقية.
بدا الارتباك واضحاً على لاعبي المنتخب المغربي الذين وجدوا أنفسهم في فخ لم يعتادوا عليه. تناقل الكرات أصبح صعباً، والوصول إلى الثلث الأخير من الملعب كان مهمة شبه مستحيلة أمام جدار دفاعي منظم وشرس. مرت الدقائق ثقيلة، وانتهى الشوط الأول بنتيجة بيضاء، لكن الشعور العام كان أن مدغشقر نجحت في فرض أسلوبها وجر المغرب إلى المباراة التي تريدها هي: مباراة بدنية، قليلة الفرص، ومعتمدة على الأخطاء.
في الشوط الثاني، دخل المنتخب المغربي بوجه مغاير. تحرر اللاعبون من الضغط النفسي، وبدأوا في فرض سيطرتهم المعتادة على الكرة. تحركت الأجنحة بشكل أفضل، وتعددت المحاولات لاختراق الدفاع الملغاشي، لكن كل محاولة كانت تتحطم أمام صلابة استثنائية من المدافعين وحارس مرمى قدم مباراة العمر.
تسديدة من بعيد يتصدى لها الحارس ببراعة، عرضية خطيرة يبعدها المدافع في اللحظة الأخيرة، رأسية تمر بجوار القائم بسنتيمترات.. هكذا كان سيناريو الشوط الثاني. ضغط مغربي متواصل، ودفاع ملغاشي بطولي يقاتل على كل كرة بشراسة، مع الاعتماد على مرتدات خاطفة كانت تثير القلق في الدفاعات المغربية بين الفينة والأخرى. ومع كل دقيقة تمر، كان شبح الأشواط الإضافية يقترب، ومعه يزداد التوتر في المدرجات وعلى أرض الملعب.
مع انطلاق الشوط الإضافي الأول، بدا الإرهاق واضحاً على كلا الفريقين. تراجعت الحدة التكتيكية وحلت محلها الروح القتالية. هنا، ظهرت شخصية "أسود البطولة". فبدلاً من أن ينال منهم اليأس، واصلوا الضغط بنفس الإصرار، مدفوعين بتشجيع جماهيري لم يتوقف.
وجاءت لحظة الحسم في الدقيقة 112 من عمر المباراة. ففي وقت ظن فيه الجميع أن ركلات الترجيح هي من ستحكم بين الفريقين، ومن كرة ثابتة نفذت بإتقان، ارتقى قلب الهجوم المغربي فوق الجميع وحول الكرة برأسه نحو المرمى. تصدى لها الحارس الملغاشي ببراعة مرة أخرى، لكن الكرة ارتدت أمام المهاجم المتابع الذي لم يتردد، وأسكنها الشباك بقدمه اليسرى، ليطلق العنان لانفجار بركاني في المدرجات.
كان هدفاً بنكهة الذهب، هدفاً جاء بعد أكثر من 20 محاولة على المرمى، هدفاً كسر عناداً ملغاشياً استمر 112 دقيقة.
الدقائق المتبقية كانت بمثابة ملحمة دفاعية، حيث رمى المنتخب الملغاشي بكل ثقله إلى الأمام في محاولة أخيرة لتعديل النتيجة، لكن الدفاع المغربي صمد بكل بسالة حتى أطلق الحكم صافرته النهائية، معلناً المغرب بطلاً لإفريقيا للمحليين.
هذا التتويج لم يكن مجرد فوز في مباراة كرة قدم، بل كان درساً في الصبر، والإصرار، والإيمان بالهدف حتى اللحظة الأخيرة. لقد أثبت المنتخب المغربي أنه يملك الجودة الفنية، والأهم من ذلك، يملك الشخصية الذهنية التي تصنع الأبطال في النهائيات الصعبة.
وفي المقابل، لا يمكن الحديث عن هذا النهائي دون الإشادة بالمنتخب الملغاشي الذي قدم بطولة للتاريخ. لقد أثبتوا أن كرة القدم لا تعترف بالأسماء الكبيرة فقط، بل تكافئ العمل الجاد والروح القتالية. لقد خسروا النهائي، لكنهم ربحوا قلوب واحترام القارة بأكملها.
أما أسود البطولة، فقد عادوا إلى الديار بالكأس الغالية، كأس تحمل في طياتها قصة نهائي صعب، قصة خصم عنيد، وقصة انتصار تحقق بالعرق والدموع والصبر، وهو ما يجعله فوزاً لا يُنسى.
 
تعليقات
إرسال تعليق