اتفاق تهدئة أولي يفتح نافذة إنسانية وسياسية على
غزة
أعلنت مصادر
دولية وإقليمية أمس عن اتفاق بين إسرائيل وحركة حماس على «المرحلة الأولى» من وقف
إطلاق نار شامل في غزة، مُعلنًا عن تبادل رهائن وأسرى وانسحاب جزئي للقوات
الإسرائيلية إلى خطوط متفق عليها، في خطوة وصفتها عواصم دولية بأنها لحظة فاصلة
بعد سنوات من القتال وتصعيد إنساني مهول. الاتفاق الذي أعلنته إدارة الوساطة
بقيادة الولايات المتحدة وبمشاركة قطر ومصر وتركيا جاء بعد جولات تفاوضية سريعة في
شرم الشيخ، وأثار فورًا مشاعر مختلطة بين الفرح والحذر لدى المدنيين على جانبي
الصراع.
نصَّت
المرحلة الأولى على وقف فوري للأعمال القتالية وتبادلًا لدفعات من الأسرى مقابل
رهائن، مع بنود تنفيذية مؤقتة تتيح لقوافل المساعدات الإنسانية الوصول إلى مناطق
محاصرة وتخفيف الضغوط على المستشفيات والمخيمات، بينما بقيت مسألة «نزع سلاح» حماس
وصيغة الحوكمة المستقبلية لغزة نقاطًا خلافية لم تُحسم بعد. المسئولون الذين
تفاوضوا في القاهرة وصفوا الاتفاق بأنه «خطوة أولى» ضمن خطة ثلاثية أو عشرينية
العناصر تهدف إلى وقف دائم وإعادة إعمار تدريجي، لكنهم حذروا من أن نجاحه يعتمد
على تنفيذ ملموس وسريع وتأمين ضمانات دولية. 
التركيز
الإنساني كان مبرِّرًا رئيسيًا للضغط الدولي. منظمات الإغاثة والأمم المتحدة حذرت
مرارًا من أن تدهور الأوضاع في القطاع وصل إلى مستويات كارثية جراء عمليات القصف
وندرة الغذاء والدواء والمأوى، ما دفع إلى مطالبات عاجلة بوقف لإطلاق النار حتى
يتسنى إيصال مساعدات آمنة ومنتظمة لمئات الآلاف من النازحين. المراقبون الميدانيون
أبلغوا عن احتياجات كبيرة لإعادة تأهيل البنية التحتية الأساسية وإنشاء آليات
فعّالة لتوزيع المساعدات بعيدًا عن التشابك السياسي. 
ردود الفعل
السياسية جاءت متباينة: ترحيب دولي واسع جاء من مسؤولين غربيين وعرب كنداء لفرصة
إنسانية، بينما بقيت أصوات متشككة ترى أن التجارب السابقة لوقفات مشابهة انهارت
بسرعة بسبب ثغرات تنفيذية وغياب آليات مراقبة محايدة وقوانين واضحة لإدارة تبعات
الانسحاب والضمانات الأمنية. في الداخل الإسرائيلي أثارت الصفقة نقاشًا حادًا حول
شروط الإفراج عن أسرى فلسطينيين مقابل مواطنيين إسرائيليين، وفي صفوف الفصائل الفلسطينية
كانت هناك مطالب بتوسيع البنود لتشمل إزالة القيود على دخول المساعدات وإطلاق سراح
مزيد من المعتقلين.
أحد أهم
تحديات التطبيق الآن هو إنشاء آلية مراقبة دولية أو إقليمية تحظى بقبول الشعبين
لتوثيق الالتزام بالهدنة، وضمان عمليات تبادل الأسرى بأمان وشفافية، وتسهيل دخول
المساعدات دون عوائق. خبراء الأمم المتحدة والدول المانحة طالبوا بتصميم برنامج
مرحلي لإعادة إعمارٍ يخضع لرقابة مستقلة ويضمن حقوق السكان وعودة سريعة للخدمات
الأساسية، وإلا فإن وقف النار سيظل هشًا أمام أي استفزاز جديد أو انهيار سياسي. 
يبقى السؤال
الأكبر عن مصير غزة السياسي والإداري بعد التهدئة: هل ستُفتح نافذة لحلول دائمة
تتضمن مشاركة فلسطينية أوسع وإشراف دولي على إعادة الإعمار، أم أن المرحلة الأولى
ستنتهي إلى ركود مؤقت يعيد احتدام العنف لاحقًا؟ الكثير من المراقبين يرون أن
النجاح الحقيقي لوقف النار لن يُقاس فقط بتلاشي المدفعية، بل بمدى قدرة المجتمع
الدولي والإقليمي على تحويل الاتفاق إلى خارطة طريق قابلة للتنفيذ تُخرج المدنيين
من دائرة المعاناة وتضع أسسًا لسلام مستدام.  
في الشوارع،
بدت الفرحة والحذر متشابكين: مشاهد إطلاق أعناق الصدور والتهليل لدى أسرٍ تحررت
أفرادها لأيام، تقابلها مشاهد لمدن مدمرة ومخيمات مضطهدة وحزن عميق على الضحايا
الذين أزهقتهم سنوات الصراع. إذا كان هناك درس واضح مما جرى، فهو أن وقف النار هو
بداية عمل طويل وشاق يحتاج إلى التزام دائم، تمويل ضخم لإعادة الإعمار، وآليات
سياسية جديدة تعالج جذور النزاع بدلًا من التعامل مع نتائجه فقط.
تعليقات
إرسال تعليق