جيل زد في المغرب: صرخة خدمة قبل استضافة العالم
في خضمّ تصاعد التوتر الاجتماعي في المغرب منذ أواخر شتنبر 2025، تخطّت الاحتجاجات الشبابية كونها مجرد رد فعل عابر لتصبح مؤشّراً على أزمة هيكلية عميقة في العلاقة بين الدولة والمجتمع. “جيل زد-212” باتت الصوت الذي يجمع نقمة أجيالٍ ترى أن الدولة وضعت أولويات مالية وتنموية دون أن تُرضي الحاجات الأساسية للمواطن. هذه ورقة تحليلية تُضيء على الأسباب، الأوجه، ردود الفعل، وما قد يُخلفه هذا الحراك.
منذ 27-28
سبتمبر، خرجت احتجاجات في مدن كبرى (الرباط، الدار البيضاء، أغادير، طنجة، وجدة وغيرها)
تحت شعاراتٍ تطالب بتحسين التعليم والرعاية الصحية ومكافحة الفساد، وفرص شغل
عادلة، والعدالة الاجتماعية.
الشرارة التي
أشعلت الغضب كانت وفاة ثماني نساء حوامل في مستشفى عمومي بأغادير، مما أثار صدم
سكان المدينة ودفع القضية إلى الصدارة.
لكن ما إن
بدأت القصة حتى اتضح أن الإحساس بالهدر، انعدام الاستجابة، ضعف البنية التحتية
وتردي الخدمات العامة ليس جديداً، بل تراكم لسنوات من الانتظارات المُخالفة بين
الخطاب والواقع.
المطالب إذن
تراكمت حول عدة محاور
أولاً، الصحة: المستشفيات
العمومية التي يُشكو منها المواطنين من النقص في الأدوية، ضعف التجهيزات، وتأخر
الاستجابة، خاصة في الحالات الطارئة. وفاة النساء الحوامل مثال صارخ يدل على تدنٍ
في جودة الرعاية.
ثانياً، التعليم: المعايير
التعليمية، البنية التحتية، تأهيل الأساتذة، فرص التكوين المهني، الكلفة المادية
للتعليم، والارتباط بين التعليم وسوق الشغل. 
ثالثاً، التشغيل: بطالة الشباب
(بنسب مرتفعة تظهر في المصادر) خصوصاً الخريجين، الفرص المحدودة، التفاوت بين
المدن والمناطق الريفية، والشعور بأن المؤهلات لا تُكلل غالباً بتوظيف لائق. 
رابعاً، توزيع
الثروة والعدالة في الأولويات الاقتصادية: الانتقادات لا تقتصر على ضعف الخدمات، بل تُوجَّه أيضاً
إلى إنفاق الدولة الكبير على مشاريع رياضية كبناء ملاعب لاستضافة كأس العالم 2030،
بينما يرى المحتجون أن هذا الإنفاق لا يجب أن يأتي على حساب حياة الناس الأساسية. 
خامساً، محاربة
الفساد:
هي ركن أساسي
من المطالب، حيث رُفعت شعارات تنتقد نهب المال العام، الغياب الشفافية، والمسؤولين
الذين يُنظر إليهم على أنهم غير محاسبين. 
أما ردّات
فعل الدولة فكانت مزيجاً بين الحلحلة الأمنية والتواصل السياسي:
- الحكومة أصدرت بيانات تؤكد “تفهّمها” للمطالب
     الاجتماعية الشبابية، وتعهدت بأن تُجيش الحوار والنقاش داخل المؤسسات العامة
     لإيجاد حلول واقعية وقابلة للتنفيذ. 
 - في المقابل، استخدم الأمن القوة في بعض الأماكن
     لتفريق المتظاهرين، واحتُجز عددٌ من الشباب، ووقعت حالات وفاة وإصابات، حسب
     ما ورد في تقارير محلية ودولية. 
 - بعض الأصوات الحقوقية طالبت بإجراء تحقيقات مستقلة
     وشفافة بشأن القتلى والمعتقلين، كما انتقدت استخدام القوة المفرطة من طرف بعض
     عناصر الشرطة. 
 
ويبقى
السؤال: ما مدى قدرة الحكومة على التفاعل الفعلي مع هذه المطالب، وما سيناريوهات
المستقبل؟
إن استجابة
السلطة بمبادرات عملية—مثل تحسين الخدمات الصحية في المستشفيات العمومية، واجراءات
فورية في التعليم (تجهيز، تأهيل، توسعة البنى)، خلق فرص عمل خاصة في المناطق
المهمشة، شفافية في المشاريع المالية الكبرى—قد تُخمد الغضب وتستعيد الثقة. أما إن
استمر التجاهل أو استخدمت الحلول الأمنية فقط دون معالجة جوهرية، فالموجة قد تستمر
وتتوسع، وتنتقل من مطالب اجتماعية واقتصادية إلى مطالب سياسية أكبر، ربما حتى إلى
مساءلة للنظام نفسه على صعيد الأداء والشرعية.
أيضاً،
الحراك الرقمي لمجموعة جيل زد يُظهر كيف أن وسائل التواصل الاجتماعي أصبحت منصة
للفعل الاحتجاجي، والتعبئة الجماعية، وهي قوة لا يُستهان بها. إن الحكومة التي لا
تأخذ هذا البُعد في الحسبان ستجد نفسها متأخرة في قراءة الواقع الاجتماعي الجديد.
في الختام،
الحركات الشبابية التي تظهر اليوم ليست احتجاجات عابرة بل صرخة مطولة من أجيال
استثمرت في التعليم والتواصل ولا تزال تنتظر أن يرى أحدهم أن الكرامة تبدأ من
الصحة والتعليم وفرصة العمل، لا من الانبهار بالمشاريع الكبرى إن لم ترتبط بتحسين
حياة المواطن البسيط.
تعليقات
إرسال تعليق