القائمة الرئيسية

الصفحات

جيلٌ جديدٌ للتنمية الترابية في المغرب: بين التوجّهات الملكية وتحديات التنفيذ

جيلٌ جديدٌ للتنمية الترابية في المغرب: بين التوجّهات الملكية وتحديات التنفيذ


تحت شعار «تنمية ترابية مندمَجة من أجل مغرب صاعد»، أعلنت وزارة الداخلي

ة المغربية عن انطلاق مرحلة التصميم والإعداد لـ «جيل جديد من برامج التنمية الترابية المندمَجة». وقد أكّد ذلك المدير العام للجماعات الترابية، جلول صمصم، خلال تصريح صحافي يوم الأربعاء 29 أكتوبر 2025، معلناً أن هذه المرحلة ستنطلق فعلياً ابتداءً من «الأسبوع المقبل» عبر مشاورات موسعة تشمل الأقاليم الـ 75 للمملكة.

وأوضحت الوزارة أن هذا الورش يأتي تنفيذًا لـ التوجيهات السامية لـ محمد السادس، الرامية إلى جعل التنمية الترابية رافعة أساسية لتقليص الفوارق وتعزيز العدالة المجالية. وبيّن صمصم أن ما يُميّز هذه البرامج هو مقاربة تشاركية ومندمِجة، حيث سيتم تصميمها محلياً في إطار التشاور والاستماع لمختلف الفاعلين: السلطات المحلية، المنتخبين، الإدارات، والمجتمع المدني.

ويُتوقع أن تنطلق مرحلة التنفيذ العملي لهذا الجيل الجديد مطلع عام 2026، بحسب ما ورد في التصريحات. وتظهر المعطيات أن الغلاف المالي الابتدائي المرتبط بهذه المبادرة يُقدَّر بنحو 20 مليار درهم تقريباً، موجهة لدعم المجالات الأقل حظاً من التنمية، خصوصاً في العالم القروي والمناطق الجبلية، عبر مشاريع في التعليم، الصحة، الماء، الكهرباء، والمبادرات الاقتصادية لتمكين الشباب والنساء.

غير أنه ورغم الحماسة المحيطة بهذا الإعلان، فإن كثيراً من المراقبين يشيرون إلى أن التجارب السابقة في مجال التنمية الترابية في المغرب – مثل الصناديق والمبادرات المتعددة التي أنشئت على مدى العقود – عانت من ضعف التدبير، غياب الشفافية، وتكرار بعض المشاريع دون تحقيق أثر ملموس ودائم.

في هذا السياق، يبقى السؤال المحوري: هل ستنجح هذه المبادرة الجديدة في تجاوز أخطاء الماضي وتحقيق انتقال نوعي في الواقع الترابي؟ يعتمد الجواب إلى حدٍّ كبير على مدى قدرة الدولة على ضمان التسيير الجيد والمحاسبة الفعالة، وكذلك إشراك الفاعلين المحليين والمجتمع المدني بصدق وفعالية، خصوصاً في المناطق النائية التي لطالما كانت هامشية في السياسات التنموية.

من جهة أخرى، تشترط فعالية هذه البرامج أن تراعي خصوصيات كل إقليم وكل جماعة ترابية: تحليل دقيق للاحتياجات، تصميم مشاريع تفاعلية تستجيب لطموحات السكان، ومعايير تقييم واضحة وقابلة للقياس. أما إذا بقيت الإجراءات في إطار المركزية الإدارية أو قوالب عامة لا تراعي الفوارق، فقد تتكرر سيناريوهات التراجع أو التجميد التي عرفتها برامج سابقة.

في النهاية، يشكل إطلاق هذا الجيل الجديد من برامج التنمية الترابية المندمجة محطة مهمة في مسار الدولة المغربية نحو تعزيز التنمية اللامركزية والعدالة المجالية. ولكنّ التحدّي الحقيقي يكمن في التنفيذ العملي والتأكد من أن «منطق الأوراق» يتحول إلى «واقع ملموس» يخدم يوميات المواطن، ويُحدث تغييراً مرئياً في البنيات التحتية، في الخدمات، وفي فرص التشغيل بالحياة القروية والهامشية.

 



تعليقات