الاحتجاج
القوي للمطالبة بإصلاح الصحة والتعليم: المغرب اليوم بين مفترق الحقوق والكرامة
في خضمّ موجة الاحتجاجات التي تجتاح عدة مدن مغربية، يبرز قطاعا التعليم والصحة كمحورين رئيسيين لمطالب الرافضين للواقع الاجتماعي المرير. غليان عارم ينبع من إحساس عميق بأن الدولة لم تعد تتصرّف كمُعيلٍ حصري للمواطن، وأن الالتزامات الدستورية تتعرّض للتقاعس أو التأجيل المستمر. لا يكاد يمرّ يومٌ دون أنّ تُسجّل حوادث تُعيد إلى الذاكرة هشاشة البنى التحتية الصحية أو التربوية، أو تُسلّط الضوء على تردّي الخدمات، خصوصاً في المناطق النائية.
من جهة
الصحة، يأتي التحقيق الصحفي الأخير لرويترز ليستعرض مأساة المواطنة التي وضعت
مولودها أمام مستشفى حكومي  إثر تأخّر
استقبالها والعناية بها، وهو ما لم يكن حادثة منعزلة بل يظهر أن الوضع الصحي بات
يُشكّل تهديداً يومياً للكرامة الإنسانية. تُضاف إلى ذلك العوامل المعروفة: نقص
الأطباء، غياب التّجهيزات، البنية التحتية المتهالكة، اختلاف المعايير بين الحضر
والريف، وتشكيك متزايد في فعالية إدارة القطاع. 
وفي التعليم،
لا تقلّ المطالب حدةً وأهمية. أساتذة من جميع الفئات الأخرى المتضررة يحملون
الوزارة والحكومة مسؤولية تجاهل الاتفاقات السابقة، خصوصاً في ملف الترقية،
التعويض، الإنصاف الوظيفي، وجبر الضرر الإداري والمالي. كما أن طلاب الطب والصيدلة يحتجون على تغييرٍ في النظام
الدراسي دون ضمانات جودة، يُخشى أن ينعكس سلباً على مخرجات التعليم وقدرة الكوادر
الصحية القادمة.
في عدة مدن وُجدت
احتجاجات شعبية ضخمة ضد تدهور الخدمات الصحية والاجتماعية، طالبت بها الساكنة بـ”مستشفى
يليق بهم” وتأهيله وتوفير الكوادر، بالإضافة إلى تحسين التعليم. المناخ ذاته
يتكرر دائما حتى اصبح طبيعيا بالنسبة للمواطن، حيث الشباب ينظم مسيرات وطنية في
27–28 سبتمبر للمطالبة بحق التعليم والصحة اللائقين. 
ما يجمع
مطالب المتظاهرين أن الأمر لا يقتصر على إصلاحات جزئية، بل على أعمدة التشريع
والتنفيذ: أن يُترجَم الدستور على أرض الواقع، أن تُستثمر الأموال في المستشفيات
والمدارس، أن تُحسَّن الظروف المعيشية والوظيفية لمن يعملون في هذه القطاعات، وأن
تُعطى الأولوية للناس لا للمظاهر أو المشاريع الرمزية. نقطة التحول اليوم تكمن في
الوعي الشعبي بأن التعليم والصحة ليسا ترفاً بل حقٌّ، وأن تجاهلهما يعني إفشال أي
تنمية أو عدالة اجتماعية.
المشهد
الحالي في المغرب يُظهر أن الاحتجاج ليس مجرد انفعال عابر، بل هو خيار فرضته ظروف
استثنائية؛ حيث المواطنُ لم يعد يحتمل انتظاراتٍ طويلة بين وعودٍ وتصريحات، بل
يريد التزاماً واضحاً بإصلاحات ملموسة تُترجم على أرض الواقع، مع شفافية ومحاسبة.
فإذا ما نجحت الأصوات المطالبة – أساتذة، طلاب، مهنيون، متضررون – في توحيد
مطالبها وتوجيهها بشكل فعّال، قد يشهد المغرب تحوّلاً حقيقياً نحو دولة تراعي
الكرامة، تضمن الحق في الصحة والتعليم للجميع، لا لطبقة دون أخرى، ولا لمن في
المدن فقط، بل للفقراء والمهمشين أيضاً.
تعليقات
إرسال تعليق