القائمة الرئيسية

الصفحات

الدخول المدرسي والقطاع الخاص: السباق السنوي المحموم بين مطرقة التكاليف وسندان "جودة التعليم"

 

الدخول المدرسي والقطاع الخاص: السباق السنوي المحموم بين مطرقة التكاليف وسندان "جودة التعليم"

مع كل نهاية صيف، وقبل أن تبدأ أوراق الخريف بالتساقط، يبدأ في المغرب "ماراطون" من نوع آخر، ماراطون لا يتطلب لياقة بدنية، بل قدرة مالية وصلابة نفسية. إنه الدخول المدرسي، الحدث الذي تحول على مر السنين من مناسبة تربوية تبعث على التفاؤل إلى موسم اقتصادي واجتماعي شائك، يضع الأسر المغربية، خاصة تلك التي اختارت التعليم الخاص، في قلب معادلة معقدة طرفاها: "وهم الجودة" وفاتورة التكاليف الباهظة.

لم يعد الدخول المدرسي مجرد شراء كتب ودفاتر، بل أصبح "مشروعاً استثمارياً" سنوياً تلتهم ميزانيته مدخرات العطلة، وتُثقل كاهل الأسر بالقروض أحياناً. وفي قلب هذه الظاهرة، تقف مؤسسات التعليم الخاص، التي تحولت من شريك للدولة في المنظومة التعليمية إلى لاعب اقتصادي قوي، يفرض قوانينه الخاصة في سوق يبدو شبه متحرر من أي رقابة فعلية.

تبدأ رحلة "النزيف المالي" للأسر قبل أن يدق ج

رس أول حصة دراسية بأسابيع. الفاتورة ليست مجرد واجب شهري، بل هي حزمة متكاملة من الرسوم والمصاريف التي تجعل التعليم حقاً مكلفاً:

رسوم التسجيل وإعادة التسجيل: هي الضريبة الأولى التي تدفعها الأسر، وهي في الغالب مبالغ غير قابلة للاسترداد، تضمن بها الأسرة "مقعداً" لابنها. هذه الرسوم، التي لا تخضع لأي سقف قانوني، ترتفع كل عام دون مبرر واضح.

الحجة الرئيسية التي تسوقها الأسر لتبرير هذا الإنفاق الهائل هي البحث عن "جودة التعليم". هذه الجودة تتمثل في نظرهم في اكتظاظ أقل داخل الفصول، وإتقان اللغات الأجنبية (خاصة الفرنسية)، وبنية تحتية أفضل. لكن السؤال الذي يطرح نفسه بإلحاح: هل هذه الجودة مضمونة دائماً؟

الواقع يكشف عن مفارقات عديدة. فخلف الواجهات البراقة لبعض المؤسسات، يوجد واقع مختلف:

يتحول التلميذ إلى "زبون"، والآباء إلى "عملاء". يصبح التركيز على إرضاء العميل (الولي) أكثر من التركيز على العملية التربوية نفسها، مما قد يؤدي إلى تساهل في التقييم ومنح نقط غير مستحقة.

تكمن جذور المشكلة في طبيعة العلاقة التي تجمع الدولة بالقطاع الخاص في مجال التعليم. فالدولة، عبر القانون 06.00 المنظم للقطاع، شجعت الاستثمار الخاص لتخفيف العبء عن المدرسة العمومية، لكنها في المقابل لم تضع آليات تنظيمية ورقابية صارمة تضبط هذا السوق وتحمي "المستهلك" (الأسرة). غياب تسقيف للأسعار، وعدم وضوح دفتر التحملات البيداغوجي، وضعف آليات التفتيش، كلها عوامل حولت قطاع التعليم الخاص إلى ما يشبه "منطقة حرة" تحكمها قوانين العرض والطلب بمنطق تجاري بحت.إن إشكالية الدخول المدرسي والتعليم الخاص هي انعكاس لأزمة أعمق تتعلق بمكانة التعليم في المجتمع. فما دامت المدرسة العمومية عاجزة عن استعادة ثقة المواطنين، ستظل الأسر المغربية حبيسة هذه الحلقة المفرغة، تدفع أكثر بحثاً عن أمل في مستقبل أفضل لأبنائها، وتظل المدارس الخاصة تستثمر في هذا الأمل. الحل لا يكمن فقط في فرض قوانين تنظيمية على القطاع الخاص، وإن كان ذلك ضرورياً وملحاً، بل يكمن أساساً في إعادة تأهيل المدرسة العمومية لتصبح الخيار الأول والأفضل، لا الخيار الاضطراري لمن لا يستطيع الدفع. ففي نهاية المطاف، الاستثمار الحقيقي ليس في بناء مدارس خاصة فاخرة، بل في بناء منظومة تعليمية وطنية قوية وعادلة، تضمن لكل طفل مغربي، بغض النظر عن وضع أسرته المادي، الحق في تعليم جيد.

تعليقات