خطاب العرش 2025: "ثورة العدالة المجالية"
ترسم معالم المغرب الجديد
 في لحظة مفصلية يترقبها المغاربة كل عام،
جاء خطاب العرش بمناسبة الذكرى السادسة والعشرين لجلوس جلالة الملك محمد السادس
على العرش، ليرسم بوضوح وقوة ملامح مرحلة جديدة تتجاوز مجرد تقييم المنجزات، لتؤسس
لما يمكن وصفه بـ "ثورة العدالة المجالية والتنمية المندمجة". لم يكن
الخطاب مجرد تقليد سنوي، بل وثيقة عمل استراتيجية، وصرخة واقعية صريحة تؤكد أن
أرقام النمو الاقتصادي تفقد معناها إن لم تلامس حياة كل مواطن، في كل قرية ومدينة
كانت الرسالة الأبرز والأكثر قوة في الخطاب الملكي هي الرفض القاطع لاستمرار
"مغرب بسرعتين ففي الوقت الذي أشاد
فيه جلالة الملك بالدينامية الاقتصادية القوية وصمود الاقتصاد الوطني في وجه
الأزمات العالمية، وتحقيق نهضة صناعية لافتة ضاعفت من حجم الصادرات منذ عام 2014،
شدد بلهجة حازمة على أن هذه المكتسبات لا يجب أن تحجب حقيقة التفاوتات المجالية
والاجتماعية التي لا تزال قائمة
"لا يمكن قبول استمرار الفوارق الصارخة بين جهات المغرب"، بهذه العبارة
المباشرة، وجه جلالة الملك نداءً صريحاً لإحداث "نقلة حقيقية" في
التنمية. ودعا إلى نموذج تنموي جديد يقوم على أربعة محاور أساسية:
دعم التشغيل والاستثمار المحلي، تعزيز الخدمات الاجتماعية الأساسية كالصحة
والتعليم، التدبير المستدام للموارد المائية، وإطلاق مشاريع تأهيل ترابي مندمجة.إنها دعوة صريحة
للانتقال من منطق البرامج المجزأة إلى مشاريع متكاملة ذات أثر مباشر على حياة المواطنين،
خاصة في العالم القروي والمناطق المهمشة.
استعرض الخطاب الملكي بفخر الإنجازات المحققة، مشيراً إلى التقدم الكبير في
مؤشرات التنمية البشرية، حيث انخفض معدل الفقر متعدد الأبعاد من 11.9% في 2014 إلى
6.8% في 2024، وهو ما أهل المغرب للانتقال إلى مصاف الدول ذات التنمية البشرية
العالية.كما تم التنويه بالنهضة الصناعية في قطاعات استراتيجية
كالسيارات والطيران والطاقات المتجددة، فضلاً عن تعزيز البنية التحتية بمشاريع
ضخمة كمشروع تمديد خط القطار فائق السرعة نحو مراكش، ومشاريع الأمن المائي
والسيادة الطاقية.
وعلى الصعيد السياسي، حمل الخطاب تذكيراً بأهمية الاستحقاقات الانتخابية
المقبلة، داعياً إلى الإعداد الجيد لها عبر مراجعة الإطار القانوني وتوفير مناخ
سياسي مسؤول يكرس التعددية ويضمن المشاركة الفعالة للمواطنين.
وكما جرت العادة، لم يخلُ الخطاب من رسائل واضحة على الصعيد الخارجي. فقد جدد
جلالة الملك دعوته الصريحة والصادقة لفتح قنوات الحوار والتواصل مع الجزائر،
مؤكداً أن إيمانه بوحدة المصير هو الدافع وراء هذه اليد الممدودة، وأن الاتحاد
المغاربي القوي لن يتحقق بدون انخراط البلدين الشقيقين.
تزامنت الرسائل القوية للخطاب الملكي مع احتفالات رسمية وشعبية عمت ربوع المملكة.
فمن حفل الاستقبال الرسمي الذي ترأسه جلالة الملك بمدينة المضيق
إلى حفل أداء القسم للضباط الجدد بساحة المشور بالقصر الملكي بتطوان
وصولاً إلى حفل الولاء التاريخي الذي يجسد تجديد البيعة والارتباط الوثيق بين
العرش والشعب. كما أضاءت الشهب النارية سماء مدينة تطوان على أنغام الجوق
السيمفوني الملكي في احتفالية بهيجة.
خاتمة: يمكن القول إن خطاب عيد العرش لعام 2025
لم يكن مجرد مناسبة للاحتفال، بل كان لحظة مكاشفة ومصارحة، وتحديد دقيق للأولويات.
إنه يؤسس لمرحلة جديدة قوامها "العدالة المجالية" كشرط أساسي لكل تنمية،
ويؤكد أن كرامة المواطن ورفاهيته هي المقياس الحقيقي لنجاح أي مشروع وطني.
إنه تجديد للعهد بين الملك وشعبه لمواصلة بناء مغرب قوي، عادل، وموحد.
تعليقات
إرسال تعليق