البواري يتوعّد المحتكرين: ارتفاع أسعار الأعلاف يضع برنامج دعم الماشية تحت مجهر المراقبة
بعد اجتياح موجة من الاحتجاج بين مربي الماشية بسبب ارتفاع أسعار الأعلاف، خصوصًا “النخالة” التي وصل سعرها إلى مستويات أثارت غضب “الكسّابة”، أعلن أحمد البواري، وزير الفلاحة والصيد البحري والتنمية القروية والمياه والغابات، أن وزارته ستعمل بقوة لمحاسبة من يتورط في التلاعب بأسعار الأعلاف أو احتكارها. في حديثه مع الصحافة، شدد الوزير على أنه “لن يتساهل مع
من يحاول إفشال البرنامج الملكي” لدعم مربي الماشية عبر التلاعب بأسعار الأعلاف.
وقال
البواري إن الوزارة تتابع يوميًا أسعار الأعلاف في جميع جهات المملكة من خلال نظام
معلوماتي يسمى “أسعار”، يتيح رصد أثمان البيع في الأسواق الأسبوعية ونقاط التوزيع
الرئيسية. وأضاف أن أي اختلال في السوق – إذا ثبت – سيتم معالجته فورًا، ضاربًا
بيد من حديد: “إذا لوحظ أي اختلال يعيق تحقيق أهداف البرنامج الملكي لإعادة تكوين
القطيع، فنحن ملتزمون بالعمل على تصحيحه فورًا”.
ويأتي
هذا التصريح في إطار برنامج وطني أُطلق لدعم “الكسّابة” — ولا سيما صغار مربي
الأغنام والماعز — من خلال منح مباشرة لاقتناء الأعلاف، ومنحة إضافية للحفاظ على
إناث المواشي. وقد بدأ صرف الدفعة الأولى من هذا الدعم منذ 5 نونبر، وقدرها نحو 3
مليارات درهم، واستفيد منها حوالي 714 ألف مربٍ، أي ما يقارب 73% من المسجلين في
برنامج إعادة تشكيل القطيع.
لكن
الصراع لم يكن فقط بين المربين والدولة، بل توسّع ليطال الجهات التجارية، حيث رأى
بعض مربِّي الماشية أن هناك “وسطاء وسماسرة” يتحكمون في أسواق الأعلاف، ويستفيدون
من الفجوة بين الدعم الرسمي وتكاليف التوزيع، بحسب نواب في البرلمان انتقدوا عدم
كفاية الرقابة على هذا القطاع.
في ردود
سابقة، أوضح البواري أن الوزارة عزّزت آليات الرقابة على بائعي الأعلاف، لاسيما في
أعقاب حملة مقاطعة قادها مربّون ضد “النخالة” المرتفعة السعر. وقد أكّد أن هذه
الرقابة تهدف إلى “ضمان حصول الصغار على الأعلاف بأسعار معقولة” وتعزيز آليات
الدعم بما يخدم الهدف الأكبر من برنامج إعادة تكوين القطيع.
ليس ذلك
فحسب، فقد برر الوزير الارتفاع في أسعار الأعلاف جزئيًا بظروف مناخية قاسية؛ إذ
يعاني المغرب من موجات جفاف متتابعة، أدّت إلى تراجع كبير في عدد رؤوس الماشية
الوطنية — حسب الوزير، فإن القطيع الوطني انخفض بنسبة 38% مقارنة بالإحصاء السابق. وللحد
من آثار ذلك، لجأت الحكومة إلى دعم الإستيراد بإعفاءات على الرسوم الجمركية
والضريبة على القيمة المضافة لبعض مكونات الإنتاج الحيواني كالماشية واللحوم
الحمراء.
من جهة
الموازنة، كشف البواري أن الدفعة الأولى من الدعم بلغت 1.45 مليار درهم خلال
الفترة من 5 إلى 10 نونبر 2025، كما أشار إلى أن نحو 488 ألف مربّي لديهم حسابات
بنكية مسجّلة لتلقي الدعم، في محاولة لضمان شفافية أكبر وتوجيه أفضل للمنح.
لكن
التحديات كبيرة: مراقبون اقتصاديون وتجاريون يشيرون إلى أن الدعم وحده لا يكفي ما
دام السوق متأثرًا بعوامل هيكلية مثل تذبذب أسعار الأعلاف المستوردة، ارتفاع
تكاليف النقل، وجود سماسرة، والبيع الاحتكاري في بعض المناطق. من وجهة نظرهم، فإن
محاربة هذه الممارسات يجب أن تكون متزامنة مع إصلاحات تنظيمية حقيقية، تشمل حوكمة
واضحة ودعم تقني للمربين الصغار ليس فقط لشراء الأعلاف، بل أيضًا لتقليص اعتمادهم
عليها بفضل تنمية الأعلاف المحلية أو تحسين العليقة.
كما
يؤكد البعض أن البرنامج الملكي لإعادة تكوين القطيع يحمل رؤية استراتيجية لدعم
الاستقرار الغذائي؛ لكنه يتحوّل إلى ورطة صحافية إذا لم تُترجم الضمانات المعلنة
(مراقبة، محاسبة، شفافية) إلى أفعال ملموسة على الأرض.
في
المجمل، يبدو أن وزير الفلاحة باشر خطوات فعالة لمواجهة شكاوى “الكسّابة” بخصوص
ارتفاع أسعار الأعلاف، مستخدمًا أدوات سياسية وقانونية وتقنية. لكن النجاح الحقيقي
لن يقاس بمجرد التصريحات، بل بمدى تأثير هذه الإجراءات على أرض الواقع وتراجع
هوامش الربح غير الشرعية، بحيث يشعر المربّي الصغير فعليًا أن الدعم يترك بصمة
إيجابية في كلفة التشغيل وليس مجرد رسم شعارات أمام الرأي العام.
تعليقات
إرسال تعليق