شريان التنمية الصامت: قسم الشؤون القروية.. حينما تكون الإدارة في قلب معارك
التنمية
في البناء
المؤسساتي للدولة، هناك إدارات تعمل في الواجهة، وأخرى تمثل القلب النابض الذي يضخ
الحياة في شرايين التنمية بعيداً عن الأضواء. ينتمي "قسم الشؤون
القروية" بالعمالات والأقاليم إلى هذا الصنف الثاني؛ فهو ليس مجرد هيكل
إداري، بل هو بمثابة العقل المدبر وذراع الدولة الميداني في تدبير أحد أعقد
الملفات وأكثرها حساسية: العالم القروي بمختلف تحدياته من أراضٍ سلالية، ومشاريع
تنموية، وفك للعزلة.
تتجلى
الأهمية الاستراتيجية لهذا القسم في كونه يتولى مهام حيوية تمس بشكل مباشر حياة
ملايين المواطنين. فمن ممارسة الوصاية الإدارية على الجماعات السلالية باسم وزير
الداخلية، إلى تدبير ممتلكاتها الشاسعة، وصولاً إلى تعبئتها لإنجاز مشاريع
اقتصادية واجتماعية. وتشمل هذه المهمة الحاسمة معالجة ملفات تعود لفترة الحماية،
وعلى وجه الخصوص التصفية القانونية لأراضي الجماعات السلالية المتعلقة بالتحديدات
الإدارية التي تم وضع بعض ملفات تحفيظها خلال فترة الثلاثينات والخمسينات من القرن
الماضي.
كما يشمل
عمله الدقيق تجديد المجالس النيابية بالصيغة القانونية وملء المناصب الشاغرة، بما
يضمن حكامة عصرية وشرعية لهذه الهيئات الحيوية، بالإضافة إلى دوره المحوري في لجان
إقليمية تطلق برامج كبرى، مثل مخططات العمل لتقليص الفوارق المجالية.
إذا كانت
المهام المسطرة على الورق تبرز الأهمية النظرية للقسم، فإن قيمته الحقيقية تتجلى
في الأداء الميداني للمسؤولين القائمين عليه. وفي هذا الإطار، لا يمكن إغفال
الإشادة بعمل رئيس قسم الشؤون القروية بعمالة سطات، الذي استطاع أن يقدم نموذجاً
في الإدارة المواطنة القائمة على خدمة الصالح العام.
ففي إقليم
شاسع مثل سطات، تتزايد فيه التحديات المرتبطة بالعقار والاستثمار والتنمية
القروية، برز هذا المسؤول كفاعل أساسي في تنزيل السياسات العمومية. لقد تمكن، عبر
نهج سياسة الباب المفتوح والتواصل المباشر، من كسب ثقة المواطنين ونواب الجماعات
السلالية على حد سواء، وهو ما يمثل تجسيداً للمفهوم الجديد للسلطة الذي دعا إليه
جلالة الملك محمد السادس.
وتتجلى حنكته
الإدارية في تثمين العقارات السلالية عبر تشجيع السلاليين على إنجاز مشاريع
استثمارية، وجلب مستثمرين آخرين للاستثمار فوق هذه الأراضي في مجالات واعدة مثل
الطاقة المتجددة. كل ذلك بهدف أسمى يتمثل في خلق طبقة متوسطة حقيقية في العالم
القروي، طبقا للسياسة الحكيمة لجلالة الملك محمد السادس نصره الله.
إن النجاح في
تدبير ملفات معقدة يثبت يقظة إدارية عالية. ويتجسد هذا النجاح بشكل ملموس في معالجة
ملفات تاريخية شديدة التعقيد، حيث تمت تسوية وضعية ما يقارب 1000 هكتار كانت عالقة
لعقود، يعود بعضها إلى سنة 1930.
هذا الإنجاز،
إلى جانب الحرص على حماية الأراضي الجماعية من الترامي ومواجهة محاولات الاستيلاء
عليها، يؤكد على وجود مسؤولين أكفاء على رأس هذه الأقسام الحيوية.
إن نموذج
رئيس قسم الشؤون القروية بسطات يؤكد أن المسؤول الإداري يمكن أن يكون قاطرة حقيقية
للتنمية، ومكرّساً للثقة بين المواطن والإدارة، ومساهماً فاعلاً في تحقيق الأمن
العقاري والاجتماعي، ليتحول قسم الشؤون القروية من مجرد مصلحة إدارية إلى شريان
حقيقي للتنمية الصامتة في أعماق المغرب.
تعليقات
إرسال تعليق